القيادة الإدارية على طريقة أردوغان
د. صالح بن سليمان الرشيد
لم يعد ملائمًا في هذا المقام تكرار الحديث عن القيادة وخصائصها.. وسمات القائد.. والاختلاف بين القيادة والإدارة والقائد والمدير، وهل القائد يُولد أم يُصنع؟! أم يولد ويصنع معًا؟! فالحديث عن القيادة للمهتمين بالإدارة والممارسين لها أصبح مملاً ورتيبًا لأقصى درجة، ولم يعد الحديث في هذا المجال يحرك ساكنًا. وبعد سنوات طويلة من إسهال الكتابة في القيادة والحديث عن أهميتها في مؤسساتنا، والتأكيد على اكتساب مهارات القيادة؛ ما زلنا لا نرى في مؤسساتنا قادة، ولا نستشعر بين جنباتها مواقف القيادة.
ومازال الرؤساء والمدراء في مؤسساتنا منقسمون إلى فريقين، فريق يمارس هوايته المفضلة في التحكم والسيطرة وممارسة فنون الإدارة بالجزاءات والخصومات.. الخ. وفريق آخر باع القضية.. يُفضل أعضائه تناول شاي الصباح في وقت الظهيرة؛ ليبدأ بعدها العمل الشاق بمشاهدة التلفاز وتصفح الإنترنت وقراءة الصحف، والحديث في الجوال، ومتابعة مؤشرات البورصة.. ما أسهل الكلام في مجتمعاتنا العربية وما أصعب الفعل..
لم أخطط اليوم للكتابة عن القيادة، ولكن لفت انتباهي خطاب "رجب طيب أردوغان" عقب الاعتداء الإسرائيلي الغاشم على أسطول الحرية.. الخطاب كان قويًا كالعادة، ولا يخلو من كلمات ومعاني التحذير والإنذار، الرجل يتمتع بكاريزما خاصة صنعت له قبولاً لدى الناس وزاد هذا القبول مواقفه السياسية المعروفة.
بعد انتهاء الخطاب وجدت نفسي وبشغف شديد أذهب للإنترنت، بغية التعرف على شخصية هذا الرجل وتاريخه وقيمه وثوابته، عدد ضخم من الملفات والمقالات والأخبار تتعلق بالرجل.. ولكن هناك سطورًا استوقفتني تمامًا، وأجبرتني على إعادة قراءتها مرات ومرات، تتحدث السطور عن أحد المواقف التي واجهت أردوغان عندما كان عمدة لمحافظة اسطنبول، في إحدى خطبه قال أبيات من الشعر ألهبت مشاعر الناس، ووضح فيها التوجه الديني في دولة تطبق مبادئ العلمانية.. تم اتخاذ قرار باعتقاله وذهب مناصريه لوداعه، حدثهم قائلاً: "وداعًا أيها الأحباب سأقضي وقتي خلال هذه الشهور في دراسة المشاريع التي توصل بلدي إلى أعوام الألفية الثالثة، والتي ستكون إنّ شاء الله أعوامًا جميلة، سأعمل بجد داخل السجن، وأنتم اعملوا خارج السجن كل ما تستطيعونه، ابذلوا جهودكم لتكونوا معماريين جيدين، وأطباء جيدين وحقوقيين متميزين، أنا ذاهب لتأدية واجبي واذهبوا أنتم أيضًا لتأدوا واجبكم، أستودعكم الله وأرجو أن تسامحوني وتدعون لي بالصبر والثبات، كما أرجو ألا يصدر منكم أي احتجاج أمام مراكز الأحزاب الأخرى، وأن تمروا عليها بوقار وهدوء، وبدل أصوات الاحتجاج وصيحات الاستنكار المعبرة عن ألمكم، أظهروا رغبتكم في صناديق الاقتراع القادمة".. في لحظات خاطفة تداعت إلى ذهني كل معاني القيادة التي قرأناها وكتبناها وسمعناها.
عبرت تلك الكلمات التي قالها أردوغان لأنصاره عن القيادة، كما لم تعبر عنها مئات الكتب وبرامج التدريب. الكلمات اشتملت على الرؤية والتي هي أساس القيادة، فكيف ترغب في أن يتبعك مرؤوسيك وأنت لا تقدم لهم هدف واضح يسعون إليه معك لتحقيقه.. الرجل يصنع رؤية للآخرين وهو يتجه للسجن!! والمدراء في شركاتنا ومؤسساتنا أحرار طلقاء، ولا يرون أكثر من موضع أقدامهم.
في السجن لا مكان للتنفيذ، ولكن هناك فرص كبيرة للتخطيط.. القائد يخطط والأتباع ينفذون والكل يؤدي واجبه.. وفي مؤسساتنا لا وقت للتخطيط "وكل واحد يدبر حاله".. القائد يطلب من أتباعه أن يسامحوه.. يطلب منهم الدعم والمساندة والمشاركة ـ من يعرف مديرًا في مؤسسة قال لمرؤوسيه "سامحوني" عليه الاتصال بكاتب المقال لتوثيق الحدث ـ يوجه القائد أتباعه نحو سلوك معين مرغوب يسهم بشكلٍ مباشر في تحقيق الرؤية (إظهار الاحتجاج في صناديق الاقتراع).. في شركاتنا ومؤسساتنا بشر يتحركون في كل اتجاه، والكثير من التحركات لا تسمن ولا تغني من جوع.
خرج القائد من السجن وشارك أتباعه في تحقيق الرؤية المُتفق عليها، وبعد أن كانت اسطنبول تعاني من ديون بلغت ملياري دولار أصبحت تحقق معدل نمو 7%، وقدم بصفته قائد القدوة لأتباعه في رفض رشاوى وعمولات شركات أجنبية سعت للحصول على امتيازات خاصة في تركيا، وفي غضون سنوات تحولت تركيا إلى قوى اقتصادية وسياسية مؤثرة للغاية في المنطقة.. وفي الوقت الذي ترضخ فيه الكثير من الشركات والمؤسسات في مجتمعاتنا تحت وطأة الديون.. نجد المدراء الأفاضل منشغلون بالبورصة.. ومنهم من يرتب لحضور برنامج تدريبي في القيادة، طلبًا للاستجمام والراحة من البورصة وألاعيبها.
د. صالح بن سليمان الرشيد
لم يعد ملائمًا في هذا المقام تكرار الحديث عن القيادة وخصائصها.. وسمات القائد.. والاختلاف بين القيادة والإدارة والقائد والمدير، وهل القائد يُولد أم يُصنع؟! أم يولد ويصنع معًا؟! فالحديث عن القيادة للمهتمين بالإدارة والممارسين لها أصبح مملاً ورتيبًا لأقصى درجة، ولم يعد الحديث في هذا المجال يحرك ساكنًا. وبعد سنوات طويلة من إسهال الكتابة في القيادة والحديث عن أهميتها في مؤسساتنا، والتأكيد على اكتساب مهارات القيادة؛ ما زلنا لا نرى في مؤسساتنا قادة، ولا نستشعر بين جنباتها مواقف القيادة.
ومازال الرؤساء والمدراء في مؤسساتنا منقسمون إلى فريقين، فريق يمارس هوايته المفضلة في التحكم والسيطرة وممارسة فنون الإدارة بالجزاءات والخصومات.. الخ. وفريق آخر باع القضية.. يُفضل أعضائه تناول شاي الصباح في وقت الظهيرة؛ ليبدأ بعدها العمل الشاق بمشاهدة التلفاز وتصفح الإنترنت وقراءة الصحف، والحديث في الجوال، ومتابعة مؤشرات البورصة.. ما أسهل الكلام في مجتمعاتنا العربية وما أصعب الفعل..
لم أخطط اليوم للكتابة عن القيادة، ولكن لفت انتباهي خطاب "رجب طيب أردوغان" عقب الاعتداء الإسرائيلي الغاشم على أسطول الحرية.. الخطاب كان قويًا كالعادة، ولا يخلو من كلمات ومعاني التحذير والإنذار، الرجل يتمتع بكاريزما خاصة صنعت له قبولاً لدى الناس وزاد هذا القبول مواقفه السياسية المعروفة.
بعد انتهاء الخطاب وجدت نفسي وبشغف شديد أذهب للإنترنت، بغية التعرف على شخصية هذا الرجل وتاريخه وقيمه وثوابته، عدد ضخم من الملفات والمقالات والأخبار تتعلق بالرجل.. ولكن هناك سطورًا استوقفتني تمامًا، وأجبرتني على إعادة قراءتها مرات ومرات، تتحدث السطور عن أحد المواقف التي واجهت أردوغان عندما كان عمدة لمحافظة اسطنبول، في إحدى خطبه قال أبيات من الشعر ألهبت مشاعر الناس، ووضح فيها التوجه الديني في دولة تطبق مبادئ العلمانية.. تم اتخاذ قرار باعتقاله وذهب مناصريه لوداعه، حدثهم قائلاً: "وداعًا أيها الأحباب سأقضي وقتي خلال هذه الشهور في دراسة المشاريع التي توصل بلدي إلى أعوام الألفية الثالثة، والتي ستكون إنّ شاء الله أعوامًا جميلة، سأعمل بجد داخل السجن، وأنتم اعملوا خارج السجن كل ما تستطيعونه، ابذلوا جهودكم لتكونوا معماريين جيدين، وأطباء جيدين وحقوقيين متميزين، أنا ذاهب لتأدية واجبي واذهبوا أنتم أيضًا لتأدوا واجبكم، أستودعكم الله وأرجو أن تسامحوني وتدعون لي بالصبر والثبات، كما أرجو ألا يصدر منكم أي احتجاج أمام مراكز الأحزاب الأخرى، وأن تمروا عليها بوقار وهدوء، وبدل أصوات الاحتجاج وصيحات الاستنكار المعبرة عن ألمكم، أظهروا رغبتكم في صناديق الاقتراع القادمة".. في لحظات خاطفة تداعت إلى ذهني كل معاني القيادة التي قرأناها وكتبناها وسمعناها.
عبرت تلك الكلمات التي قالها أردوغان لأنصاره عن القيادة، كما لم تعبر عنها مئات الكتب وبرامج التدريب. الكلمات اشتملت على الرؤية والتي هي أساس القيادة، فكيف ترغب في أن يتبعك مرؤوسيك وأنت لا تقدم لهم هدف واضح يسعون إليه معك لتحقيقه.. الرجل يصنع رؤية للآخرين وهو يتجه للسجن!! والمدراء في شركاتنا ومؤسساتنا أحرار طلقاء، ولا يرون أكثر من موضع أقدامهم.
في السجن لا مكان للتنفيذ، ولكن هناك فرص كبيرة للتخطيط.. القائد يخطط والأتباع ينفذون والكل يؤدي واجبه.. وفي مؤسساتنا لا وقت للتخطيط "وكل واحد يدبر حاله".. القائد يطلب من أتباعه أن يسامحوه.. يطلب منهم الدعم والمساندة والمشاركة ـ من يعرف مديرًا في مؤسسة قال لمرؤوسيه "سامحوني" عليه الاتصال بكاتب المقال لتوثيق الحدث ـ يوجه القائد أتباعه نحو سلوك معين مرغوب يسهم بشكلٍ مباشر في تحقيق الرؤية (إظهار الاحتجاج في صناديق الاقتراع).. في شركاتنا ومؤسساتنا بشر يتحركون في كل اتجاه، والكثير من التحركات لا تسمن ولا تغني من جوع.
خرج القائد من السجن وشارك أتباعه في تحقيق الرؤية المُتفق عليها، وبعد أن كانت اسطنبول تعاني من ديون بلغت ملياري دولار أصبحت تحقق معدل نمو 7%، وقدم بصفته قائد القدوة لأتباعه في رفض رشاوى وعمولات شركات أجنبية سعت للحصول على امتيازات خاصة في تركيا، وفي غضون سنوات تحولت تركيا إلى قوى اقتصادية وسياسية مؤثرة للغاية في المنطقة.. وفي الوقت الذي ترضخ فيه الكثير من الشركات والمؤسسات في مجتمعاتنا تحت وطأة الديون.. نجد المدراء الأفاضل منشغلون بالبورصة.. ومنهم من يرتب لحضور برنامج تدريبي في القيادة، طلبًا للاستجمام والراحة من البورصة وألاعيبها.
السبت أبريل 23, 2011 2:49 pm من طرف admin
» رحلة مدرسي الحلقات الى خيلة بقشان
الخميس فبراير 24, 2011 2:03 am من طرف admin
» دعم من جمعية السبيل حلقات جامع الغرف و الرضوان تقيم رحلة إلى مديرية دوعن
الأحد فبراير 13, 2011 2:04 pm من طرف admin
» فضائل سور القرآن الكريم كما حققها العلامة الألباني - رحمه الله -
الأحد فبراير 06, 2011 4:02 am من طرف hkas2011
» (ليحملوا أوزارهم ومن أوزار الذين يضلونهم)
الأحد فبراير 06, 2011 3:57 am من طرف hkas2011
» أين نحن من القرآن!!!
الأحد فبراير 06, 2011 3:53 am من طرف hkas2011
» تأملات تربوية في قصة قارون
الأحد فبراير 06, 2011 3:49 am من طرف hkas2011
» وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ
الأحد فبراير 06, 2011 3:42 am من طرف hkas2011
» يا أمة الأسلام لا تتخذوا القران مهجورا
الأحد فبراير 06, 2011 3:05 am من طرف admin