تأملات تربوية في قصة قارون
الدكتور عثمان قدري مكانسي-
1_قارون من قوم موسى ، ولعله ابن عمه كما يروي المفسرون ، كان فقيراً حين
آمن بموسى لنه حين استغنى انتقل إلى صف الكفار المناهضين للدين الجديد ،
المعادين له .
2- " إنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى " وهكذا نجد قارون يظلم قومه حين
كثرت الأموال بين يديه ، وهذا دليل تفاهة من يغره المال ، فيصرفه عن وجوه
الخير ، بل يشتط في الكبر والاستعلاء .
3- وظلم القريب قريبَه شديد ،مؤلم ، قاس لئيم .. أتدرون لماذا ؟
ا - يتوقع القريب من قريبه الوجيه الموسر القادر على المساعدة
الرحمة َ، ويتوقع العون ، وقد لا يتوقع من غيره أن يكون عطوفاً عليه رحيماً
به ، فإذا فوجئ منه بالظلم والنكران زاد ألمه ألماً ، وضيقه شدة .
ب -إن القريب أو الصديق أعلم بمواطن الضعف عند الآخرين ، فإذا انقلب عدواً
كان أذاه أشد لمعرفته بدخائله ، وقد قال الشاعر مصوراً هذه الحالة ومنبهاً
من الانكشاف للآخرين ولو كانوا أهلاً وأصدقاء ، فالحفاظ على الخصوصيات لا
بد منها حتى عن القريب والحبيب:
احذر عـدوّك مرة واحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديـ ق ، فكان أعلمَ بالمضرّة
ج - وقد يكون عند فقره حاسداً أهل الفضل من قومه يحمل الضغينة لهم ، وهذا
دأب كثير من الناس ، وعادة قد تكون متأصلة فيمن دينه ضعيف وقلبه ضيق وعقله
قاصر فإذا اغتنى بعد فقر أظهر الكشح وأعلن العداوة واالنقمة ، والتشفي .
وتراه في صفوف أعداء الله يضرب بسيفهم ويواليهم على قومه
د - ومن هذا دأبه يجعله الغنى متكبراً يرى الآخرين دونه ، ويسعى إلى إذلالهم .
4- وهنا نجد الدعاة من قومه ينصحونه - والمؤمن يريد الخير للجميع ويخص قومه
بخيره – ويجتهد في النصح لهم ، فهذه مهمته في الحياة ، وكانت النصائح على
التوالي :
أ - البعد عن البطر فهو من الآفات التي تقصم ظهر صاحبها ، وتهلكه ، فالله
تعالى أعلن ذلك حين قال في الحديث " الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن
نازعني واحدا منهما ، قذفته في النار " ( الدرر السنية ) ومن ادعى ذلك غضب
الله عليه ، وكرهه " إن الله لا يحب الفرحين " البطرين الذين لا يشكرون
الله على إنعامه ويتكبرون بأموالهم على عباد الله فما ينبغي لأحد أن يستكبر
أو يتعالى .
ب - أن يطلب الدار الآخرة فيما أعطاه الله من الأموال ، " وابتغِ فيما آتاك
الله الدار الآخرة " فيتصدق وينفق على الطاعات ، فهذا من شكر الله تعالى ،
وسيجد في الآخرة – إن فعل ذلك – فضلاً من الله كبيرا .
جـ - كما أن للإنسان أن يتمتع بالخير الذي وهبه الله إياه في الدنيا دون أن
تكون الدنيا همه الأكبر أو الوحيد ، وهذا تنبيه واضح إلى أن العاقل يجعل
الآخرة الباقية نصب عينيه وهدفه الأول ، وله أن يتمتع بدنياه " قل من حرم
زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق؟ " .
د – أن يحسن إلى الناس ، فالإحسان من التحدث بنعمة الله ،" وأما بنعمة ربك
فحدّثْ " وليس الحديث بالتفاخر والتباهي بما أنعم الله علينا فقط ، فهذا
إيذاء لمشاعر الناس وإساءة إليهم . ومن أحسن إلى الناس فقد استجلب رضا الله
تعالى عليه وحبه له ، ومن أحبه الله فاز وأفلح " الخلق عيال الله ، واحبهم
إلى الله أنفعهم لعياله " . وكما تدين تدان : فمن أحسن إلى عباد الله أحسن
الله إليه ، ومن احسن الله إليه أحسن إلى عباد الله .
هـ - من الإساءة أن يكون الإنسان فاسداً ، وأشد منه أن يكون مفسداً .
والإفساد طرقه كثيرة ، منها : البغي في الأرض ، وكثرة المعاصي ، وصرف المال
فيما يغضب الله تعالى ... والبعد عن الإفساد والفساد من سمات العاقل
اللبيب ، وعكس ذلك من سمات اللئيم الذميم . والله تعالى يكره هذا الصنف
الذي يفسد في الأرض ، ومن كرهه الله تعالى كان من الخاسرين .
5- العاقل من اتعظ ، والجاهل من تنكب الطريق السويّ ، فأورده موارد الهلاك .
وكان قارون من الصنف الثاني الذي أرداه جبروته ، فادّعى ما ليس له ....
ادّعى أن ذكاءه وعبقريته كانا السبب في نجاحه هذا النجاح الكبير ، وأن
المال جمعه بجده ونشاطه ليس غير !! وهذا مقتل المتكبرين ، وهلاك المتجبرين .
هؤلاء الذين لا يتعلمون ممن غبر ، ولا يتعظون من مصائر أمثالهم .
6- وقد يتساءل أحدهم : كيف " ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون " ؟ ألم يقل
الله تعالى " فوربك لنسألنّهم أجمعين عما كانوا يعملون " ؟ والأمر ليس فيه
تعارض البتة ، إنما هو تصوير لمصيرهم السيء ، والله تعالى لعلمه بما فرّطوا
وتجاوزوا لا يسألهم عن كيفية ذنوبهم وكميتها تحقيراً لهم ، وغضباً عليهم .
وانظر معي إلى هذا التصوير المخيف في طريقة دخول هؤلاء المجرمين النار –
والعياذ بالله – " يُعرف المجرمون بسيماهم ، فيُؤخذ بالنواصي والأقدام " ما
أهونهم على الله حين يأمر بهم إلى النار ، فتمسك الزبانية برؤوسهم وأرجلهم
، ويُقذفون بهذه الطريقة المهينة في سواء جهنم !!
7- قارون وأمثاله – هؤلاء الذين طُمست بصائرهم ، فما عادوا يرون إلا ذواتهم
– يستعلون على عباد الله فيخرجون متعاظمين كما فعل قارون حين " خرج على
قومه في زينته " متباهياً مفتخراً بأكمل زينته ذات يوم ، يليه أتباعه
الكثيرون متحلين بملابس الذهب والحرير ، على خيول موشحة بالذهب والعقيان ،
ومعه الجواري والغلمان في موكب حافل باهر فيسبي قلوب أهل الدنيا ، فيتمنون
أن يكونوا مثله ، أو يكون لهم ما له ، ويعتقدون مخطئين أنه ذو حظ عظيم .
8- أهل الإيمان الذين ينظرون بنور ربهم يعلمون زيف الدنيا وصغارها ، إن
الحياة الحقة هي الحياة الباقية ، أما الفانية الزائلة فلا تستهويهم . إنهم
قالوا حين سمعوا أهل الدنيا يتمنون هذا الزائل ناسين الآخرة وخلودها :
" ثواب الله خير لمن آمن ،
وعمل صالحاً ،.......
ولا يُلقّاها إلا الصابرون "
فالإيمان بالله أولاً ، يليه العمل الصالح ثانياً ، يليه الصبر والرضا بما قسم الله تعالى ثالثاً
ثوابُ الله الجزيل الذي يغمر العباد الصالحين .
9- العقوبة العاجلة للمتكبرين في الدنيا ، فقد خسف الله تعالى بقارون الأرض
فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ، تضيق عليه ويحترق بنيرانها جزاء وفاقاً
هو ومن يسير في ركابه ، فماذا يقول هؤلاء الذين باعوا آجلاً بعاجل ، ورضوا
أن يكونوا في صفوف أعداء الله ، يحاربون أولياء الله ؟؟؟!!! والمرء مع من
أحب ،، أليس كذلك ؟!!
الدكتور عثمان قدري مكانسي-
1_قارون من قوم موسى ، ولعله ابن عمه كما يروي المفسرون ، كان فقيراً حين
آمن بموسى لنه حين استغنى انتقل إلى صف الكفار المناهضين للدين الجديد ،
المعادين له .
2- " إنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى " وهكذا نجد قارون يظلم قومه حين
كثرت الأموال بين يديه ، وهذا دليل تفاهة من يغره المال ، فيصرفه عن وجوه
الخير ، بل يشتط في الكبر والاستعلاء .
3- وظلم القريب قريبَه شديد ،مؤلم ، قاس لئيم .. أتدرون لماذا ؟
ا - يتوقع القريب من قريبه الوجيه الموسر القادر على المساعدة
الرحمة َ، ويتوقع العون ، وقد لا يتوقع من غيره أن يكون عطوفاً عليه رحيماً
به ، فإذا فوجئ منه بالظلم والنكران زاد ألمه ألماً ، وضيقه شدة .
ب -إن القريب أو الصديق أعلم بمواطن الضعف عند الآخرين ، فإذا انقلب عدواً
كان أذاه أشد لمعرفته بدخائله ، وقد قال الشاعر مصوراً هذه الحالة ومنبهاً
من الانكشاف للآخرين ولو كانوا أهلاً وأصدقاء ، فالحفاظ على الخصوصيات لا
بد منها حتى عن القريب والحبيب:
احذر عـدوّك مرة واحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديـ ق ، فكان أعلمَ بالمضرّة
ج - وقد يكون عند فقره حاسداً أهل الفضل من قومه يحمل الضغينة لهم ، وهذا
دأب كثير من الناس ، وعادة قد تكون متأصلة فيمن دينه ضعيف وقلبه ضيق وعقله
قاصر فإذا اغتنى بعد فقر أظهر الكشح وأعلن العداوة واالنقمة ، والتشفي .
وتراه في صفوف أعداء الله يضرب بسيفهم ويواليهم على قومه
د - ومن هذا دأبه يجعله الغنى متكبراً يرى الآخرين دونه ، ويسعى إلى إذلالهم .
4- وهنا نجد الدعاة من قومه ينصحونه - والمؤمن يريد الخير للجميع ويخص قومه
بخيره – ويجتهد في النصح لهم ، فهذه مهمته في الحياة ، وكانت النصائح على
التوالي :
أ - البعد عن البطر فهو من الآفات التي تقصم ظهر صاحبها ، وتهلكه ، فالله
تعالى أعلن ذلك حين قال في الحديث " الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن
نازعني واحدا منهما ، قذفته في النار " ( الدرر السنية ) ومن ادعى ذلك غضب
الله عليه ، وكرهه " إن الله لا يحب الفرحين " البطرين الذين لا يشكرون
الله على إنعامه ويتكبرون بأموالهم على عباد الله فما ينبغي لأحد أن يستكبر
أو يتعالى .
ب - أن يطلب الدار الآخرة فيما أعطاه الله من الأموال ، " وابتغِ فيما آتاك
الله الدار الآخرة " فيتصدق وينفق على الطاعات ، فهذا من شكر الله تعالى ،
وسيجد في الآخرة – إن فعل ذلك – فضلاً من الله كبيرا .
جـ - كما أن للإنسان أن يتمتع بالخير الذي وهبه الله إياه في الدنيا دون أن
تكون الدنيا همه الأكبر أو الوحيد ، وهذا تنبيه واضح إلى أن العاقل يجعل
الآخرة الباقية نصب عينيه وهدفه الأول ، وله أن يتمتع بدنياه " قل من حرم
زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق؟ " .
د – أن يحسن إلى الناس ، فالإحسان من التحدث بنعمة الله ،" وأما بنعمة ربك
فحدّثْ " وليس الحديث بالتفاخر والتباهي بما أنعم الله علينا فقط ، فهذا
إيذاء لمشاعر الناس وإساءة إليهم . ومن أحسن إلى الناس فقد استجلب رضا الله
تعالى عليه وحبه له ، ومن أحبه الله فاز وأفلح " الخلق عيال الله ، واحبهم
إلى الله أنفعهم لعياله " . وكما تدين تدان : فمن أحسن إلى عباد الله أحسن
الله إليه ، ومن احسن الله إليه أحسن إلى عباد الله .
هـ - من الإساءة أن يكون الإنسان فاسداً ، وأشد منه أن يكون مفسداً .
والإفساد طرقه كثيرة ، منها : البغي في الأرض ، وكثرة المعاصي ، وصرف المال
فيما يغضب الله تعالى ... والبعد عن الإفساد والفساد من سمات العاقل
اللبيب ، وعكس ذلك من سمات اللئيم الذميم . والله تعالى يكره هذا الصنف
الذي يفسد في الأرض ، ومن كرهه الله تعالى كان من الخاسرين .
5- العاقل من اتعظ ، والجاهل من تنكب الطريق السويّ ، فأورده موارد الهلاك .
وكان قارون من الصنف الثاني الذي أرداه جبروته ، فادّعى ما ليس له ....
ادّعى أن ذكاءه وعبقريته كانا السبب في نجاحه هذا النجاح الكبير ، وأن
المال جمعه بجده ونشاطه ليس غير !! وهذا مقتل المتكبرين ، وهلاك المتجبرين .
هؤلاء الذين لا يتعلمون ممن غبر ، ولا يتعظون من مصائر أمثالهم .
6- وقد يتساءل أحدهم : كيف " ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون " ؟ ألم يقل
الله تعالى " فوربك لنسألنّهم أجمعين عما كانوا يعملون " ؟ والأمر ليس فيه
تعارض البتة ، إنما هو تصوير لمصيرهم السيء ، والله تعالى لعلمه بما فرّطوا
وتجاوزوا لا يسألهم عن كيفية ذنوبهم وكميتها تحقيراً لهم ، وغضباً عليهم .
وانظر معي إلى هذا التصوير المخيف في طريقة دخول هؤلاء المجرمين النار –
والعياذ بالله – " يُعرف المجرمون بسيماهم ، فيُؤخذ بالنواصي والأقدام " ما
أهونهم على الله حين يأمر بهم إلى النار ، فتمسك الزبانية برؤوسهم وأرجلهم
، ويُقذفون بهذه الطريقة المهينة في سواء جهنم !!
7- قارون وأمثاله – هؤلاء الذين طُمست بصائرهم ، فما عادوا يرون إلا ذواتهم
– يستعلون على عباد الله فيخرجون متعاظمين كما فعل قارون حين " خرج على
قومه في زينته " متباهياً مفتخراً بأكمل زينته ذات يوم ، يليه أتباعه
الكثيرون متحلين بملابس الذهب والحرير ، على خيول موشحة بالذهب والعقيان ،
ومعه الجواري والغلمان في موكب حافل باهر فيسبي قلوب أهل الدنيا ، فيتمنون
أن يكونوا مثله ، أو يكون لهم ما له ، ويعتقدون مخطئين أنه ذو حظ عظيم .
8- أهل الإيمان الذين ينظرون بنور ربهم يعلمون زيف الدنيا وصغارها ، إن
الحياة الحقة هي الحياة الباقية ، أما الفانية الزائلة فلا تستهويهم . إنهم
قالوا حين سمعوا أهل الدنيا يتمنون هذا الزائل ناسين الآخرة وخلودها :
" ثواب الله خير لمن آمن ،
وعمل صالحاً ،.......
ولا يُلقّاها إلا الصابرون "
فالإيمان بالله أولاً ، يليه العمل الصالح ثانياً ، يليه الصبر والرضا بما قسم الله تعالى ثالثاً
ثوابُ الله الجزيل الذي يغمر العباد الصالحين .
9- العقوبة العاجلة للمتكبرين في الدنيا ، فقد خسف الله تعالى بقارون الأرض
فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ، تضيق عليه ويحترق بنيرانها جزاء وفاقاً
هو ومن يسير في ركابه ، فماذا يقول هؤلاء الذين باعوا آجلاً بعاجل ، ورضوا
أن يكونوا في صفوف أعداء الله ، يحاربون أولياء الله ؟؟؟!!! والمرء مع من
أحب ،، أليس كذلك ؟!!
السبت أبريل 23, 2011 2:49 pm من طرف admin
» رحلة مدرسي الحلقات الى خيلة بقشان
الخميس فبراير 24, 2011 2:03 am من طرف admin
» دعم من جمعية السبيل حلقات جامع الغرف و الرضوان تقيم رحلة إلى مديرية دوعن
الأحد فبراير 13, 2011 2:04 pm من طرف admin
» فضائل سور القرآن الكريم كما حققها العلامة الألباني - رحمه الله -
الأحد فبراير 06, 2011 4:02 am من طرف hkas2011
» (ليحملوا أوزارهم ومن أوزار الذين يضلونهم)
الأحد فبراير 06, 2011 3:57 am من طرف hkas2011
» أين نحن من القرآن!!!
الأحد فبراير 06, 2011 3:53 am من طرف hkas2011
» تأملات تربوية في قصة قارون
الأحد فبراير 06, 2011 3:49 am من طرف hkas2011
» وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ
الأحد فبراير 06, 2011 3:42 am من طرف hkas2011
» يا أمة الأسلام لا تتخذوا القران مهجورا
الأحد فبراير 06, 2011 3:05 am من طرف admin