رحلة الحج .. الطريق إلى وحدة الأمّة
عندما هاجر إبراهيم بزوجته هاجر وابنه إسماعيل إلى مكان مكة الحالية - وكان خالياً من الناس كما كان خالياً من مظاهر الحياة - دعا ربه قائلاً: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) إبراهيم - الآية 37.
واستجاب الله لدعاء نبيه، فأصبحت مكة أحب بقاع الأرض لقلوب المسلمين، وأعزها إليهم تهفو إليها قلوبهم وتتلهف لزيارتها نفوسهم، وترنو إليها عيونهم، وتشتاق إليها جوارحهم، وإشباعاً لهذه العاطفة النبيلة، وذلك الشوق العميق، جعل الله مكة محجاً لعباده المسلمين، فقال لإبراهيم عليه السلام: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) الحج - الآية 27.
كما جعلها الله قبلة المسلمين يتجهون إليها في صلواتهم - فرضها ونفلها - فقال لنبيه: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة - الآية 144.
وهكذا ارتبطت مكة بركنين مهمين من أركان الإسلام - الصلاة والحج - وقد ثبتت فرضية الحج بالكتاب والسنة والإجماع، فقال تعالى في كتابه العزيز: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) آل عمران - الآية 97، أما الأحاديث النبوية في ذلك فكثيرة، منها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا اله إلا الله محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) رواه البخاري ومسلم.
والحج عبادة راقية سامية، وفيه تتحقق أركان الإسلام الأربعة الباقية، ففيه تتحقق لا اله إلا الله، إذ يتوجه العبد في أيامه ولياليه لعبادة الله وحده بلا شريك، وفيه تحقيق الصلاة حيث الطواف بالكعبة والتوجه إليها بالروح والجسد، وفيه من معاني الزكاة إنفاق المال، فالحج لا يتم إلا بإنفاق المال، على السفر والإقامة والمأكل والمشرب والهدي، كما يتحقق معنى الصوم بالإمساك عن الحرام فعلاً وقولاً بل والإمساك عن كثير من الحلال تقرباً وزلفى.
إن الإسلام لم يفرض عبادة من العبادات، إلا وكان من وراء تلك العبادة هدف وغاية، وقد يذكر القرآن الغاية من عبادة ما وقد لايذكرها، فقد ذكر الغاية من الصيام، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة - الآية 183 فبين أن الهدف من الصيام هو تحقيق التقوى، وقال في الزكاة: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم) التوبة - الآية 103، فهي تزكية للنفس من الشح والبخل وتزكية للمجتمع من الأحقاد والأضغان.
إن أيام الحج أيام (تدريب) لمن اجتمع هناك من المسلمين على كيف يعيشون في سلام، قلوبهم طاهرة، ونفوسهم صافية، بلا أحقاد ولا نزاعات، تجمعهم المحبة والوئام، يتحمل بعضهم أخطاء بعض، ويعفو بعضهم عن زلاّت بعض، ألسنتهم عفيفة، ومقاصدهم شريفة، لا يفرقهم الجدال، ولا يثير حفيظة نفوسهم المراء، وذلك استجابة لقول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة - الآية 197.
فإذا حقق المسلمون ذلك أيام الحج تبين لهم أن لُحمة الإسلام أقوى من أية لحمة، ووشيجة الإسلام اشد من أية وشيجة، وعروته أوثق من كل عروة، وحينئذ يتأكدون أن ما يربطهم أقوى مما يشتتهم، وان ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم، وان أخوة الإسلام أخوة حقيقية قمين أن تصان وتحفظ، فيعود الحاج حين يعود إلى بلاده وهو أشد حباً لإخوانه المسلمين، وأكثر إيماناً بأن كل مظاهر الفرقة بين المسلمين مظاهر سطحية، وأسبابها واهية، وأنها لا بد إلى زوال.
والحج مؤتمر جامع، إذ يحتشد إليه المسلمون من كل بقاع الأرض، ومن ضمنهم الرؤساء والعلماء والفقهاء وأصحاب الرأي والعلم، فإذا كان الحج فرصة لعامة الناس للتعارف والتوادد وتبادل المنافع، فإنه فرصة لقادة المسلمين والعلماء والفقهاء وأصحاب الرأي للاجتماع والتفاكر وتدارس مشكلات الأمة وما يواجهها من معضلات، وما يفت عضدها من مشكلات، ومحاولة إيجاد الحلول لتلك المشكلات والمعضلات، والبحث عن الطرق المثلى لإعادة الأمة إلى ما كانت عليه من تصافٍ وتعاضد ووحدة، وإزالة كل أسباب البغضاء والشحناء.
إن الحج الذي يتوافد إليه ملايين المسلمين من كل بقاع العالم فرصة حقيقية ليتدارسوا أمور دينهم وهموم أمتهم في العالمين العربي والإسلامي، وقضايا الأقليات الإسلامية في الدول الأخرى.
وهموم الأمة كثيرة وقضاياها المعقدة أكثر، فبعض بلادهم احتلت وأخرى مهددة بتقطيع أوصالها، فأفغانستان والعراق ترزحان تحت نيران الاحتلال، والصومال تستهدف وتجتاح لتمزق إلى أشلاء، والسودان تحاك ضده المؤامرات التي تستهدف وحدة ترابه وتسعى إلى تمزيقه.
وفلسطين بعد أكثر من ستين عاماً تراوح قضيتها مكانها، أرضها سليبة وإنسانها ضائع، وقد ابتلعت الدولة العبرية معظم أراضيها وشيدت أطول جدار عنصري في العالم، والقدس الشريف أولى القبلتين وثاني الحرمين يحتلها اليهود ويدنسونها ويعلنون أنها ستكون عاصمتهم على رغم انف العرب والمسلمين، بدعم صارخ من الدول الكبرى وفي مقدمها بالطبع صديقتنا أميركا.
إن الحج رمز لوحدة هذه الأمة، وتأكيد على أن هذه الأمة لا يفرق بين أفرادها لون ولا قبلية ولا عصبية ولا جهوية.
فكلهم يتجهون لقبلة واحدة، وكلهم يطوفون حول كعبة واحدة في اتجاه واحد، وكلهم يسعون في مسار مسعى واحد، وكلهم يقفون بعرفة، وكلهم يبيتون في مزدلفة، وكلهم يرمون الجمار تجاه مرمى واحد، وكلهم يلبسون لباساً واحداً في رمزية عميقة لتلك الوحدة، وفي كل ذلك لا فرق بين أسود وأبيض، ولا فرق بين حاكم ومحكوم، ولا بين شريف ووضيع، ولا بين غني وفقير، امة واحدة ووجهة واحدة وهدف واحد، وعلى مؤتمرات المسلمين أيام الحج أن تركز على وحدة المسلمين ففيها أسباب قوتهم واليها دعاهم ربهم فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) آل عمران - الآية 103، فعليهم أن يكونوا صفاً واحداً ويجتنبوا التناحر ويتركوا التشاحن والبغضاء، وان يتحدوا فقد رأوا ما فعلت بهم الفرقة من ضعف وهوان، فعليهم نبذها وتوحيد هدفهم لخدمة دينهم وأوطانهم وشعوبهم، والعمل من اجل قضاياهم العادلة صفاً واحداً كأسنان المشط ولنستفد الدروس من الحج.
فقد جاء المسلمون من كل فج عميق لوجهة واحدة، فالهدف واحد وطافوا حول الكعبة المشرفة فهم يدورون حول غاية واحدة ويسعون بين الصفا والمروة فالمسعى نحو غاياتهم واحد، والوقوف بعرفة هو وقوف تجاه كل القضايا واحد، فهذا ديننا يدعونا بقرآنه وأحاديثه إلى الوحدة والتماسك، كما أن كل العبادات تؤصل لتلك الوحدة وتدعو لها، ومنها الحج، فإذا نحن تفرقنا وتشرذمنا فمن أمراض أنفسنا ونتيجة بعدنا عن ديننا الذي هو سبب قوتنا وعزتنا.
[center]
عندما هاجر إبراهيم بزوجته هاجر وابنه إسماعيل إلى مكان مكة الحالية - وكان خالياً من الناس كما كان خالياً من مظاهر الحياة - دعا ربه قائلاً: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) إبراهيم - الآية 37.
واستجاب الله لدعاء نبيه، فأصبحت مكة أحب بقاع الأرض لقلوب المسلمين، وأعزها إليهم تهفو إليها قلوبهم وتتلهف لزيارتها نفوسهم، وترنو إليها عيونهم، وتشتاق إليها جوارحهم، وإشباعاً لهذه العاطفة النبيلة، وذلك الشوق العميق، جعل الله مكة محجاً لعباده المسلمين، فقال لإبراهيم عليه السلام: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) الحج - الآية 27.
كما جعلها الله قبلة المسلمين يتجهون إليها في صلواتهم - فرضها ونفلها - فقال لنبيه: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة - الآية 144.
وهكذا ارتبطت مكة بركنين مهمين من أركان الإسلام - الصلاة والحج - وقد ثبتت فرضية الحج بالكتاب والسنة والإجماع، فقال تعالى في كتابه العزيز: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) آل عمران - الآية 97، أما الأحاديث النبوية في ذلك فكثيرة، منها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا اله إلا الله محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) رواه البخاري ومسلم.
والحج عبادة راقية سامية، وفيه تتحقق أركان الإسلام الأربعة الباقية، ففيه تتحقق لا اله إلا الله، إذ يتوجه العبد في أيامه ولياليه لعبادة الله وحده بلا شريك، وفيه تحقيق الصلاة حيث الطواف بالكعبة والتوجه إليها بالروح والجسد، وفيه من معاني الزكاة إنفاق المال، فالحج لا يتم إلا بإنفاق المال، على السفر والإقامة والمأكل والمشرب والهدي، كما يتحقق معنى الصوم بالإمساك عن الحرام فعلاً وقولاً بل والإمساك عن كثير من الحلال تقرباً وزلفى.
إن الإسلام لم يفرض عبادة من العبادات، إلا وكان من وراء تلك العبادة هدف وغاية، وقد يذكر القرآن الغاية من عبادة ما وقد لايذكرها، فقد ذكر الغاية من الصيام، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة - الآية 183 فبين أن الهدف من الصيام هو تحقيق التقوى، وقال في الزكاة: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم) التوبة - الآية 103، فهي تزكية للنفس من الشح والبخل وتزكية للمجتمع من الأحقاد والأضغان.
إن أيام الحج أيام (تدريب) لمن اجتمع هناك من المسلمين على كيف يعيشون في سلام، قلوبهم طاهرة، ونفوسهم صافية، بلا أحقاد ولا نزاعات، تجمعهم المحبة والوئام، يتحمل بعضهم أخطاء بعض، ويعفو بعضهم عن زلاّت بعض، ألسنتهم عفيفة، ومقاصدهم شريفة، لا يفرقهم الجدال، ولا يثير حفيظة نفوسهم المراء، وذلك استجابة لقول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة - الآية 197.
فإذا حقق المسلمون ذلك أيام الحج تبين لهم أن لُحمة الإسلام أقوى من أية لحمة، ووشيجة الإسلام اشد من أية وشيجة، وعروته أوثق من كل عروة، وحينئذ يتأكدون أن ما يربطهم أقوى مما يشتتهم، وان ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم، وان أخوة الإسلام أخوة حقيقية قمين أن تصان وتحفظ، فيعود الحاج حين يعود إلى بلاده وهو أشد حباً لإخوانه المسلمين، وأكثر إيماناً بأن كل مظاهر الفرقة بين المسلمين مظاهر سطحية، وأسبابها واهية، وأنها لا بد إلى زوال.
والحج مؤتمر جامع، إذ يحتشد إليه المسلمون من كل بقاع الأرض، ومن ضمنهم الرؤساء والعلماء والفقهاء وأصحاب الرأي والعلم، فإذا كان الحج فرصة لعامة الناس للتعارف والتوادد وتبادل المنافع، فإنه فرصة لقادة المسلمين والعلماء والفقهاء وأصحاب الرأي للاجتماع والتفاكر وتدارس مشكلات الأمة وما يواجهها من معضلات، وما يفت عضدها من مشكلات، ومحاولة إيجاد الحلول لتلك المشكلات والمعضلات، والبحث عن الطرق المثلى لإعادة الأمة إلى ما كانت عليه من تصافٍ وتعاضد ووحدة، وإزالة كل أسباب البغضاء والشحناء.
إن الحج الذي يتوافد إليه ملايين المسلمين من كل بقاع العالم فرصة حقيقية ليتدارسوا أمور دينهم وهموم أمتهم في العالمين العربي والإسلامي، وقضايا الأقليات الإسلامية في الدول الأخرى.
وهموم الأمة كثيرة وقضاياها المعقدة أكثر، فبعض بلادهم احتلت وأخرى مهددة بتقطيع أوصالها، فأفغانستان والعراق ترزحان تحت نيران الاحتلال، والصومال تستهدف وتجتاح لتمزق إلى أشلاء، والسودان تحاك ضده المؤامرات التي تستهدف وحدة ترابه وتسعى إلى تمزيقه.
وفلسطين بعد أكثر من ستين عاماً تراوح قضيتها مكانها، أرضها سليبة وإنسانها ضائع، وقد ابتلعت الدولة العبرية معظم أراضيها وشيدت أطول جدار عنصري في العالم، والقدس الشريف أولى القبلتين وثاني الحرمين يحتلها اليهود ويدنسونها ويعلنون أنها ستكون عاصمتهم على رغم انف العرب والمسلمين، بدعم صارخ من الدول الكبرى وفي مقدمها بالطبع صديقتنا أميركا.
إن الحج رمز لوحدة هذه الأمة، وتأكيد على أن هذه الأمة لا يفرق بين أفرادها لون ولا قبلية ولا عصبية ولا جهوية.
فكلهم يتجهون لقبلة واحدة، وكلهم يطوفون حول كعبة واحدة في اتجاه واحد، وكلهم يسعون في مسار مسعى واحد، وكلهم يقفون بعرفة، وكلهم يبيتون في مزدلفة، وكلهم يرمون الجمار تجاه مرمى واحد، وكلهم يلبسون لباساً واحداً في رمزية عميقة لتلك الوحدة، وفي كل ذلك لا فرق بين أسود وأبيض، ولا فرق بين حاكم ومحكوم، ولا بين شريف ووضيع، ولا بين غني وفقير، امة واحدة ووجهة واحدة وهدف واحد، وعلى مؤتمرات المسلمين أيام الحج أن تركز على وحدة المسلمين ففيها أسباب قوتهم واليها دعاهم ربهم فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) آل عمران - الآية 103، فعليهم أن يكونوا صفاً واحداً ويجتنبوا التناحر ويتركوا التشاحن والبغضاء، وان يتحدوا فقد رأوا ما فعلت بهم الفرقة من ضعف وهوان، فعليهم نبذها وتوحيد هدفهم لخدمة دينهم وأوطانهم وشعوبهم، والعمل من اجل قضاياهم العادلة صفاً واحداً كأسنان المشط ولنستفد الدروس من الحج.
فقد جاء المسلمون من كل فج عميق لوجهة واحدة، فالهدف واحد وطافوا حول الكعبة المشرفة فهم يدورون حول غاية واحدة ويسعون بين الصفا والمروة فالمسعى نحو غاياتهم واحد، والوقوف بعرفة هو وقوف تجاه كل القضايا واحد، فهذا ديننا يدعونا بقرآنه وأحاديثه إلى الوحدة والتماسك، كما أن كل العبادات تؤصل لتلك الوحدة وتدعو لها، ومنها الحج، فإذا نحن تفرقنا وتشرذمنا فمن أمراض أنفسنا ونتيجة بعدنا عن ديننا الذي هو سبب قوتنا وعزتنا.
[center]
السبت أبريل 23, 2011 2:49 pm من طرف admin
» رحلة مدرسي الحلقات الى خيلة بقشان
الخميس فبراير 24, 2011 2:03 am من طرف admin
» دعم من جمعية السبيل حلقات جامع الغرف و الرضوان تقيم رحلة إلى مديرية دوعن
الأحد فبراير 13, 2011 2:04 pm من طرف admin
» فضائل سور القرآن الكريم كما حققها العلامة الألباني - رحمه الله -
الأحد فبراير 06, 2011 4:02 am من طرف hkas2011
» (ليحملوا أوزارهم ومن أوزار الذين يضلونهم)
الأحد فبراير 06, 2011 3:57 am من طرف hkas2011
» أين نحن من القرآن!!!
الأحد فبراير 06, 2011 3:53 am من طرف hkas2011
» تأملات تربوية في قصة قارون
الأحد فبراير 06, 2011 3:49 am من طرف hkas2011
» وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ
الأحد فبراير 06, 2011 3:42 am من طرف hkas2011
» يا أمة الأسلام لا تتخذوا القران مهجورا
الأحد فبراير 06, 2011 3:05 am من طرف admin