أخلاق طلاب الحلقات
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، والصلاة والسلام على المبعوث هادياً وبشيراً وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيراً، أما بعد: فجميل أن يحفظ أبناء المسلمين القرآن الكريم، ورائع أن ينضموا إلى حلقات تحفيظ القرآن المنتشرة في مساجدنا في كل قطر ومصر والحمد لله على ذلك، وجميل أن يتسابقوا ويتنافسوا في حفظ كتاب الله تلاوة وتجويدا، ولكن هل هذا هو المطلوب فقط؟ وهل إقامة حروف القرآن كافية في تنشئة الأجيال على معاني القرآن وحدوده وآدابه؟!
إننا نريد جيلاً متخلقا بآداب القرآن...
نريد أجيالاً تلتزم أخلاق القرآن...
نريد أجيالاً تقف عند حدود القرآن عاملة بأحكامه...
نريد أجيالاً تقيم الحروف والحدود معاً...
لانريد حافظاً لكتاب الله يكذب، أو يغش ، أو يلعن، أو يشتم، أو يسخر، أو يلمز، أو يستهزىء بإخوانه المسلمين، فلا يوقر كبيراً، ولا يرحم صغيرا، ولا يعطي كل ذي حق حقه.
سئلت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها عن خُلُقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ((كان خلقه القرآن))رواه مسلم ...
وحذر الله تعالى عباده من هجر القرآن الكريم فقال :
( وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) (الفرقان : 30 )
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - : " وترك الإيمان به وترك تصديقه منهجر انه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه ، والعدول عنه إلى غيره من الشعر أو قول أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه "
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله - : هجر القرآن أنواع :
أحدها : هجر سماعه والإيمان به ، والإصغاء إليه .
والثاني : هجر العمل به ، والوقوف عند حلاله وحرامه ، وإن قرأه وآمن به .
والثالث : هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه .
والرابع : هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم منه.
والخامس : هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها .
وكل هذا داخل في قوله :
{ وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا }( الفرقان : 30 )
فيا طالب الحلقات ! لا أدعوك للتكاسل عن الحفظ والتلاوة والتنافس مع زملائك في الحلقات، ولكني أدعوك بأن يكون للقرآن أكبر الأثر في حياتك .
ينبغي أن يظهر أثر القرآن الكريم في أخلاقك ..
ينبغي أن يكون للقرآن الكريم أثر في تعاملك مع والديك .
ينبغي أن يكون للقرآن الكريم أثر في تعاملك مع أساتذتك .
ينبغي أن يكون للقرآن الكريم أثر في تعاملك مع زملائك.
ينبغي أن يكون للقرآن الكريم أثر في تعاملك مع جيرانك .
أما إذا كانت أخلاقك في واد وأخلاق القرآن في واد آخر ، فهذا دليل على نقصك وإهمالك لهذا الجانب المهم، وعلامة ٌ على وقوعك في هجر القرآن دون أن تدري ويُخشى عليك يا ولدي أن يتقدم بك السن وتستمر في الإعراض عن التخلق بأخلاق القرآن، فيكون القرآن عند ذلك حجة عليك لا حجة لك ...
قال النبي صلى الله عليه وسلم " أكثر منافقي أمتي قراؤها " ( رواه أحمد وصححه الألباني )
أخلاق طلاب حلقات التحفيظ :-
وإذا سألت – أخي المبارك – عن أخلاق القرآن التي ينبغي أن يتخلق بها طلاب الحلقات فهي كل خلق فاضل ورد في القرآن مدحه أو الأمر به أو الثناء على أهله، وكذلك ما ورد في سنة النبي صلى الله عليه وسام وما أجمعت الأمة على حسنه من الأخلاق الكريمة 0
قال سفيان الثوري – رحمه الله -: لا ينبغي لحامل العلم والقرآن أن يكون جافياً ولا ممارياً، ولا رافعاً صوته بالحديث والعلم 0
ويروى عن الفضيل – رحمه الله – انه قال : حامل القرآن مقامه يجل عن أن يعصى ربه، وكيف يصح له أن يعصى ربه ، وكل حرف من القرآن يناديه : بالله عليك لا تخالف ما أنت حامله مني فلا ينبغي لحامل القرآن أن يغفل مع الغافلين؛ ولا يسئ مع المسيئين، وقد كان مالك بن دينار يقول : يأهل القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم ؟
فإن القرآن ربيع القلوب، كما أن الغيث ربيع الأرض فمن أخلاق صاحب القرآن:
1- الصدق :
قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } ( التوبة : 119 )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا " (متفق عليه ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" (متفق عليه )
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ألا إن الصدق والبر في الجنة، ألا وإن الكذب والفجور في النار.
وقال الفضيل : مامن مضغة أحب إلى الله تعالى من لسان صدوق، وما من مضغة أبغض إلى الله تعالى من لسان كذوب 0
أخي الطالب :
عود لسانك قول الخير تحظ به
إن اللسان لما عودت معتاد
موكل يتقاضى ما سننت له
فاختر لنفسك وانظر كيف ترتاد
2 – الأمانة :
قال تعالى: { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } : ( النساء : 58 )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك " ( رواه أحمد وصححه الألباني )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أول ما تفقدون من دينكم الأمانة " ( رواه الطبراني وصححه الألباني )
• وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لا تنظروا إلى صلاة أحد ولا صيامه ، وانظروا إلى صدق حديثه إذا حدث وإلى أمانته إذا اؤتمن ، وإلى ورعه إذا أشقى .
• وقال أنس رضي الله عنه : البيت الذي يكون فيه خيانة , لا يكون فيه بركة .
3 – التواضع :
قال تعالى: { واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } ( الشعراء : 215 )
وقال تعالى: { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً } ( الفرقان : 63 )
وقال تعالى :{ ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا) ( الشعراء : 3 )
وقال تعالى :{ أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } ( المائدة : 54)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ".....وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " ( رواه مسلم )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على احد، ولا يبغي أحد على أحد" ( رواه مسلم )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"
أخي الحبيب :
إن التواضع من خصال المتقي
وبه التقي إلى المعالي يرتقي
4 – العفو عن المخطئ :-
قال تعالى : { ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم } ( آل عمران :159)
وقال تعالى : { حذا لعفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } ( الأعراف : 199 )
وقال تعالى : { فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين } ( المائدة : 13 )
وقال النبى صلى الله عليه وسلم لعقبةرضى الله عنه: "صل من قطعك, وأعط من حرمك, واعف عمن ظلمك" (رواه أحمد وصححه الألباني )
وقال صلى الله عليه وسلم : " وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا " ( رواه مسلم )
وقال ابن عباس رضى الله عنهما : أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب , والحلم عند الجهل , والعفو عند الإساءة .
فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان , وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم .
5 – الرفق :-
قال تعالى : { اذهبا إلى فرعون إنه طغى (43) فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى }(طه: 44,43 )
وقال تعالى : { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك }(آل عمران : 159 )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيءإلا شانه" ( رواه مسلم )
وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف , ومالا يعطي على ما سواه " ( رواه مسلم )
وقال عروة بن الزبير : مكتوب في الحكمة : الرفق رأس الحكمة .
وقال قيس بن أبي حازم : من يعط الرفق في الدنيا , نفعه في الآخرة .
6 – الصبر :-
قال تعالى : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } ( الزمر : 10 )
وقال تعالى : { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } ( الشورى : 43 )
وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا .......}الآية (آل عمران : 200 )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" الصبر ضياء " ( رواه مسلم )
وقال صلى الله عليه وسلم : " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن.
إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له "( رواه مسلم )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وما أعطي أحد عطاء خيراً من الصبر " ( رواه مسلم )
قال الشاعر :-
تنكر لي خصمي ولم يدر أنني
أعز وأحداث الزمان تهون
فبات يريني الظلم كيف عتوه
وبت أريه الصبر كيف يكون
7 – الشكر :-
قال تعالى : { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } ( البقرة : 152 )
وقال تعالى : { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } (إبراهيم :7 )
وقال تعالى : { واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون } ( البقرة :172 )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها " ( رواه مسلم )
وكان النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أصبح وإذا أمسى قال :" اللهم ما أصبح بي من نعمة، أو بأحدمن خلقك فمنك وحدك , لا شريك لك , فلك الحمد ولك الشكر " وأخبر أن من قالها حين يصبح فقد أدى شكر يومه , ومن قالها حين يمسي فقد أدى شكر ليلته " ( رواه أبو داود وحسنه النووي )
وقال فضيل : كان يقال : من شكر النعمة التحدث بها .
وجلس ليلة هو وابن عيينه يتذاكران النعم الى الصباح
8 - الاستقامة :-
قال تعالى { فاستقم كما أمرت ومن تاب معك} (هود: 112 ) .
وقال تعالى : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } ( فصلت : 30 ) .
وقل النبي صلى الله عليه وسلم : " استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" ( رواه أحمد بسند صحيح ).
والاستقامة هي : إخلاص التوحيد لله عزوجل‘ ولزوم الأمر، وترك النواهي والثبات على ذلك دون غلو أو تفريط.
9 – الحياء :-
قال تعالى : { ألم يعلم بأن الله يرى } .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الحياء شعبة من الإيمان " ( متفق عليه ) .
وقال النبي صلى الله عليه ويسلم " استحيوا من الله حق الحياء " . قالوا : إنا نستحيي يا رسول الله . قال: " ليس ذلكم، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء " ( رواه أحمدوالترمذي وحسنه الألباني ) .
وقال الفضيل بن عياض : تغلق بابك ، وترخى سترك ، وتستحيي من الناس ، ولا تستحيي من القرآن الذي في صدرك ، ولا من الجليل الذي لا يخفى عليه خافية ! !
وقال الراغب : الحياء انقباض النفس عن القبائح ، وهو من خصائص الإنسان؛ ليرتدع به عما تنزعه إليه الشهوة من القبائح ، فلا يكون كالبهيمة .
10 – سلامة الصدر:-
قال تعالى{ والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين أمنوا ربنا إنك رءوفٌ رحيم } ( الحشر: 10) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان قد ينس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم " . ( رواه مسلم ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " تعرض الأعمال في كل جمعة مرتين : يوم الإثنين ويوم الخميس ، فيغفر لكل عبد مؤمن ، إلا عبد بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال : اتركوا هذين حتى يصطلحا " ( رواه مسلم ) .
11 – الرحمة :-
قال تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } ( الأنبياء 107 ) .
وقال تعالى : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا }
( الإسراء : 24 ) .
وقال صلى الله عليه وسلم " من لا يرحم لا يرحم "
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بينما رجل يمشي بطريق ، اشتد عليه العطش ، فوجد بئرا فنزل بها فشرب ، ثم خرج ، وإذا بكلب يلهث ، يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني ! فنزل البئر ، فملأ خفه ماء ، ثم أمسكه بفيه حتى رقى ، فسقى الكلب ، فشكر الله تعالى له فغفر له "قالوا : يا رسول الله : وإن لنا في البهائم لأجرا ؟! قال : " في كل كبد رطبة أجر " ( متفق عليه ).
هذا أخي الطالب :_
بعض أخلاق القرآن الكريم التي ينبغي عليك التخلق بها، ولو تدبرت كتاب الله عزوجل لوجدت المزيد والمزيد ، فاقرأ ، وتدبر ، وتفهم ، واعمل وارتق ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها. قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين "( رواه مسلم ) .
فاللهم اجعلنا ممن رفعتهم بهذا القرآن ، وممن هديتهم بالقرآن، وممن زكيتهم بالقرآن الكريم
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، والصلاة والسلام على المبعوث هادياً وبشيراً وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيراً، أما بعد: فجميل أن يحفظ أبناء المسلمين القرآن الكريم، ورائع أن ينضموا إلى حلقات تحفيظ القرآن المنتشرة في مساجدنا في كل قطر ومصر والحمد لله على ذلك، وجميل أن يتسابقوا ويتنافسوا في حفظ كتاب الله تلاوة وتجويدا، ولكن هل هذا هو المطلوب فقط؟ وهل إقامة حروف القرآن كافية في تنشئة الأجيال على معاني القرآن وحدوده وآدابه؟!
إننا نريد جيلاً متخلقا بآداب القرآن...
نريد أجيالاً تلتزم أخلاق القرآن...
نريد أجيالاً تقف عند حدود القرآن عاملة بأحكامه...
نريد أجيالاً تقيم الحروف والحدود معاً...
لانريد حافظاً لكتاب الله يكذب، أو يغش ، أو يلعن، أو يشتم، أو يسخر، أو يلمز، أو يستهزىء بإخوانه المسلمين، فلا يوقر كبيراً، ولا يرحم صغيرا، ولا يعطي كل ذي حق حقه.
سئلت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها عن خُلُقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ((كان خلقه القرآن))رواه مسلم ...
وحذر الله تعالى عباده من هجر القرآن الكريم فقال :
( وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) (الفرقان : 30 )
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - : " وترك الإيمان به وترك تصديقه منهجر انه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه ، والعدول عنه إلى غيره من الشعر أو قول أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه "
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله - : هجر القرآن أنواع :
أحدها : هجر سماعه والإيمان به ، والإصغاء إليه .
والثاني : هجر العمل به ، والوقوف عند حلاله وحرامه ، وإن قرأه وآمن به .
والثالث : هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه .
والرابع : هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم منه.
والخامس : هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها .
وكل هذا داخل في قوله :
{ وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا }( الفرقان : 30 )
فيا طالب الحلقات ! لا أدعوك للتكاسل عن الحفظ والتلاوة والتنافس مع زملائك في الحلقات، ولكني أدعوك بأن يكون للقرآن أكبر الأثر في حياتك .
ينبغي أن يظهر أثر القرآن الكريم في أخلاقك ..
ينبغي أن يكون للقرآن الكريم أثر في تعاملك مع والديك .
ينبغي أن يكون للقرآن الكريم أثر في تعاملك مع أساتذتك .
ينبغي أن يكون للقرآن الكريم أثر في تعاملك مع زملائك.
ينبغي أن يكون للقرآن الكريم أثر في تعاملك مع جيرانك .
أما إذا كانت أخلاقك في واد وأخلاق القرآن في واد آخر ، فهذا دليل على نقصك وإهمالك لهذا الجانب المهم، وعلامة ٌ على وقوعك في هجر القرآن دون أن تدري ويُخشى عليك يا ولدي أن يتقدم بك السن وتستمر في الإعراض عن التخلق بأخلاق القرآن، فيكون القرآن عند ذلك حجة عليك لا حجة لك ...
قال النبي صلى الله عليه وسلم " أكثر منافقي أمتي قراؤها " ( رواه أحمد وصححه الألباني )
أخلاق طلاب حلقات التحفيظ :-
وإذا سألت – أخي المبارك – عن أخلاق القرآن التي ينبغي أن يتخلق بها طلاب الحلقات فهي كل خلق فاضل ورد في القرآن مدحه أو الأمر به أو الثناء على أهله، وكذلك ما ورد في سنة النبي صلى الله عليه وسام وما أجمعت الأمة على حسنه من الأخلاق الكريمة 0
قال سفيان الثوري – رحمه الله -: لا ينبغي لحامل العلم والقرآن أن يكون جافياً ولا ممارياً، ولا رافعاً صوته بالحديث والعلم 0
ويروى عن الفضيل – رحمه الله – انه قال : حامل القرآن مقامه يجل عن أن يعصى ربه، وكيف يصح له أن يعصى ربه ، وكل حرف من القرآن يناديه : بالله عليك لا تخالف ما أنت حامله مني فلا ينبغي لحامل القرآن أن يغفل مع الغافلين؛ ولا يسئ مع المسيئين، وقد كان مالك بن دينار يقول : يأهل القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم ؟
فإن القرآن ربيع القلوب، كما أن الغيث ربيع الأرض فمن أخلاق صاحب القرآن:
1- الصدق :
قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } ( التوبة : 119 )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا " (متفق عليه ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" (متفق عليه )
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ألا إن الصدق والبر في الجنة، ألا وإن الكذب والفجور في النار.
وقال الفضيل : مامن مضغة أحب إلى الله تعالى من لسان صدوق، وما من مضغة أبغض إلى الله تعالى من لسان كذوب 0
أخي الطالب :
عود لسانك قول الخير تحظ به
إن اللسان لما عودت معتاد
موكل يتقاضى ما سننت له
فاختر لنفسك وانظر كيف ترتاد
2 – الأمانة :
قال تعالى: { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } : ( النساء : 58 )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك " ( رواه أحمد وصححه الألباني )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أول ما تفقدون من دينكم الأمانة " ( رواه الطبراني وصححه الألباني )
• وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لا تنظروا إلى صلاة أحد ولا صيامه ، وانظروا إلى صدق حديثه إذا حدث وإلى أمانته إذا اؤتمن ، وإلى ورعه إذا أشقى .
• وقال أنس رضي الله عنه : البيت الذي يكون فيه خيانة , لا يكون فيه بركة .
3 – التواضع :
قال تعالى: { واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } ( الشعراء : 215 )
وقال تعالى: { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً } ( الفرقان : 63 )
وقال تعالى :{ ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا) ( الشعراء : 3 )
وقال تعالى :{ أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } ( المائدة : 54)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ".....وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " ( رواه مسلم )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على احد، ولا يبغي أحد على أحد" ( رواه مسلم )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"
أخي الحبيب :
إن التواضع من خصال المتقي
وبه التقي إلى المعالي يرتقي
4 – العفو عن المخطئ :-
قال تعالى : { ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم } ( آل عمران :159)
وقال تعالى : { حذا لعفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } ( الأعراف : 199 )
وقال تعالى : { فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين } ( المائدة : 13 )
وقال النبى صلى الله عليه وسلم لعقبةرضى الله عنه: "صل من قطعك, وأعط من حرمك, واعف عمن ظلمك" (رواه أحمد وصححه الألباني )
وقال صلى الله عليه وسلم : " وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا " ( رواه مسلم )
وقال ابن عباس رضى الله عنهما : أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب , والحلم عند الجهل , والعفو عند الإساءة .
فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان , وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم .
5 – الرفق :-
قال تعالى : { اذهبا إلى فرعون إنه طغى (43) فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى }(طه: 44,43 )
وقال تعالى : { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك }(آل عمران : 159 )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيءإلا شانه" ( رواه مسلم )
وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف , ومالا يعطي على ما سواه " ( رواه مسلم )
وقال عروة بن الزبير : مكتوب في الحكمة : الرفق رأس الحكمة .
وقال قيس بن أبي حازم : من يعط الرفق في الدنيا , نفعه في الآخرة .
6 – الصبر :-
قال تعالى : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } ( الزمر : 10 )
وقال تعالى : { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } ( الشورى : 43 )
وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا .......}الآية (آل عمران : 200 )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" الصبر ضياء " ( رواه مسلم )
وقال صلى الله عليه وسلم : " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن.
إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له "( رواه مسلم )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وما أعطي أحد عطاء خيراً من الصبر " ( رواه مسلم )
قال الشاعر :-
تنكر لي خصمي ولم يدر أنني
أعز وأحداث الزمان تهون
فبات يريني الظلم كيف عتوه
وبت أريه الصبر كيف يكون
7 – الشكر :-
قال تعالى : { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } ( البقرة : 152 )
وقال تعالى : { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } (إبراهيم :7 )
وقال تعالى : { واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون } ( البقرة :172 )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها " ( رواه مسلم )
وكان النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أصبح وإذا أمسى قال :" اللهم ما أصبح بي من نعمة، أو بأحدمن خلقك فمنك وحدك , لا شريك لك , فلك الحمد ولك الشكر " وأخبر أن من قالها حين يصبح فقد أدى شكر يومه , ومن قالها حين يمسي فقد أدى شكر ليلته " ( رواه أبو داود وحسنه النووي )
وقال فضيل : كان يقال : من شكر النعمة التحدث بها .
وجلس ليلة هو وابن عيينه يتذاكران النعم الى الصباح
8 - الاستقامة :-
قال تعالى { فاستقم كما أمرت ومن تاب معك} (هود: 112 ) .
وقال تعالى : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } ( فصلت : 30 ) .
وقل النبي صلى الله عليه وسلم : " استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" ( رواه أحمد بسند صحيح ).
والاستقامة هي : إخلاص التوحيد لله عزوجل‘ ولزوم الأمر، وترك النواهي والثبات على ذلك دون غلو أو تفريط.
9 – الحياء :-
قال تعالى : { ألم يعلم بأن الله يرى } .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الحياء شعبة من الإيمان " ( متفق عليه ) .
وقال النبي صلى الله عليه ويسلم " استحيوا من الله حق الحياء " . قالوا : إنا نستحيي يا رسول الله . قال: " ليس ذلكم، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء " ( رواه أحمدوالترمذي وحسنه الألباني ) .
وقال الفضيل بن عياض : تغلق بابك ، وترخى سترك ، وتستحيي من الناس ، ولا تستحيي من القرآن الذي في صدرك ، ولا من الجليل الذي لا يخفى عليه خافية ! !
وقال الراغب : الحياء انقباض النفس عن القبائح ، وهو من خصائص الإنسان؛ ليرتدع به عما تنزعه إليه الشهوة من القبائح ، فلا يكون كالبهيمة .
10 – سلامة الصدر:-
قال تعالى{ والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين أمنوا ربنا إنك رءوفٌ رحيم } ( الحشر: 10) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان قد ينس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم " . ( رواه مسلم ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " تعرض الأعمال في كل جمعة مرتين : يوم الإثنين ويوم الخميس ، فيغفر لكل عبد مؤمن ، إلا عبد بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال : اتركوا هذين حتى يصطلحا " ( رواه مسلم ) .
11 – الرحمة :-
قال تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } ( الأنبياء 107 ) .
وقال تعالى : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا }
( الإسراء : 24 ) .
وقال صلى الله عليه وسلم " من لا يرحم لا يرحم "
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بينما رجل يمشي بطريق ، اشتد عليه العطش ، فوجد بئرا فنزل بها فشرب ، ثم خرج ، وإذا بكلب يلهث ، يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني ! فنزل البئر ، فملأ خفه ماء ، ثم أمسكه بفيه حتى رقى ، فسقى الكلب ، فشكر الله تعالى له فغفر له "قالوا : يا رسول الله : وإن لنا في البهائم لأجرا ؟! قال : " في كل كبد رطبة أجر " ( متفق عليه ).
هذا أخي الطالب :_
بعض أخلاق القرآن الكريم التي ينبغي عليك التخلق بها، ولو تدبرت كتاب الله عزوجل لوجدت المزيد والمزيد ، فاقرأ ، وتدبر ، وتفهم ، واعمل وارتق ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها. قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين "( رواه مسلم ) .
فاللهم اجعلنا ممن رفعتهم بهذا القرآن ، وممن هديتهم بالقرآن، وممن زكيتهم بالقرآن الكريم
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين
السبت أبريل 23, 2011 2:49 pm من طرف admin
» رحلة مدرسي الحلقات الى خيلة بقشان
الخميس فبراير 24, 2011 2:03 am من طرف admin
» دعم من جمعية السبيل حلقات جامع الغرف و الرضوان تقيم رحلة إلى مديرية دوعن
الأحد فبراير 13, 2011 2:04 pm من طرف admin
» فضائل سور القرآن الكريم كما حققها العلامة الألباني - رحمه الله -
الأحد فبراير 06, 2011 4:02 am من طرف hkas2011
» (ليحملوا أوزارهم ومن أوزار الذين يضلونهم)
الأحد فبراير 06, 2011 3:57 am من طرف hkas2011
» أين نحن من القرآن!!!
الأحد فبراير 06, 2011 3:53 am من طرف hkas2011
» تأملات تربوية في قصة قارون
الأحد فبراير 06, 2011 3:49 am من طرف hkas2011
» وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ
الأحد فبراير 06, 2011 3:42 am من طرف hkas2011
» يا أمة الأسلام لا تتخذوا القران مهجورا
الأحد فبراير 06, 2011 3:05 am من طرف admin