الإسلام بين التغيير المنشود والنصر الموعود
إنَّ الإسلام يَهدي القلوبَ لفاطرها، ويُطوِّع النفوس لباريها، ويُوجِّه الضمائر لخالقها، والله خَلَق خلْقه تفضُّلاً منه، وكلَّفهم إحسانًا إليهم، وأرْسل إليهم رُسله بالحقِّ مبشِّرين ومنذِرين، وأنزل معهم الكتب نورًا على طريق الحقِّ المبين، فأزالوا الشرك بإخلاصِهم، وبدَّدوا الجهْلَ بعِلمهم، وأناروا الدنيا برِسالتهم، واستخرَجوا طيباتِ الأرْض بسواعدهم، وحرَّروا البشريَّة مِن أغلالها - لتعبد ربًّا واحدًا، لا إله غيره، ولا ربَّ سواه - بتوفيق الله لهم، لم يخلْقِ الله الإنسان عبثًا، ولم يتركْه سُدًى، وإنَّما هداه سبيلَه، وبيَّن له طريقه، وحدَّ له حدودَه، وجَلَّى له معالِمَه، جعل له طريقًا سويًّا، وصراطًا مستقيمًا؛ ﴿وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾ [الأنعام: 153]، وهيأ له حبلاً متينًا، ومنهجًا قويمًا؛ ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران:103]، ووضَعَه في أحسن تقويم؛ ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4]؛ إنعامًا من الله عليه، وإحسانا من الله له، وإعلاء من الله لمنزلته، فإذا حافَظ الإنسانُ على هذه النِّعم، زاد مِن شُكْرها، وأدَّى ما عليه مِن حقوقها، بارَكَ الله له فيها، وأرْضاه الله بها، وبدَّله في الآخِرة أفضل منها.
وإذا ما غيَّر الإنسان وبدَّل، فجَحَد بها، وكفرَها، وردَّها، تحوَّلتْ منه إلى غيره، وغيَّر الله حالَه ومآله؛ ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾ [إبراهيم: 28 – 29]، بل وينتظره العذابُ الشديد يومَ الوعيد؛ ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].
سُنَّة التغيير ماضية إلى يوم الدين:
يقول الله - تعالى -: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ [الرعد: 11]، يقول الإمام ابن القيِّم - رحمه الله - تعليقًا على هذه الآية الكريمة: "مِنَ الآفات الخفيَّة العامَّة أن يكون العَبْد في نِعمة أنعَمَ الله بها عليه، واختارها له، فيملّها ويَطلب الانتقالَ منها إلى ما يزعُم - لجهله - أنَّه خيرٌ له منها، وربُّه برحمته لا يُخرِجه من تلك النِّعمة، ويَعذِره بجهله وسوءِ اختياره لنفْسه، حتى إذا ضاق ذَرْعًا بتلك النِّعمة وسَخِطها وتبرَّم بها، واستحكم مَللُه لها، سَلَبه الله إيَّاها، فأكثرُ الناس أعداءُ نِعم الله عليهم، ولا يَشْعُرون بفتْح الله عليهم نِعمه، وهم مجتهدون في دفْعها وردِّها؛ جهلاً وظلمًا!
فكَمْ سَعَتْ إلى أحدهم مِن نِعمة، وهو ساعٍ في ردِّها بجهده، وكم وصلَتْ إليه وهو ساعٍ في دفْعها وزوالها بظُلْمه وجهْلِه!
وَعَاجِزُ الرَّأْيِ مِضْيَاعٌ لِفُرْصَتِهِ
حَتَّى إِذَا فَاتَ أَمْرٌ عَاتَبَ الْقَدَرَا".
حوَّل اللهُ النِّعمة من قوم لم يقدروها، ولم يَشْكروها، إلى غيرهم؛ ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ [الدخان: 25- 28]، ورَّث الله آخرين جنَّاتِهم وعيونَهم وزروعَهم، ومقاماتِهم ونِعمَهم.
وذهب الجاحدون غيرَ مأسوف عليهم، لا تتَّسع لهم قبور، ولا تبْكي عليهم أرْض، ولا يبش لهم ربُّ السموات؛ ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾ [الدخان: 29].
وفي "تفسير السعدي": ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ﴾ مِن النِّعمة والإحسان، ورَغَد العيش ﴿حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ بأن يَنتقِلوا من الإيمان إلى الكُفْر، ومِن الطاعةِ إلى المعصية، أو مِن شُكر نِعم الله إلى البَطر بها، فيسلبهم الله إيَّاها عندَ ذلك، وكذلك إذا غيَّر العباد ما بأنفسهم مِنَ المعصية، فانتقلوا إلى طاعةِ الله، غيَّر الله عليهم ما كانوا فيه مِنَ الشقاء، إلى الخير والسُّرور والغِبْطة والرحمة.
وقال الشيخ ابن باز - رحمه الله رحمة واسعة -: "الآية الكريمة آيةٌ عظيمةٌ تدلُّ على أنَّ الله - تبارك وتعالى - بكمال عدْله، وكمال حِكمته لا يُغيِّر ما بقوم مِن خير إلى شر، ومِن شرٍّ إلى خير، ومِن رخاء إلى شدَّة، ومن شدَّة إلى رخاء، حتى يغيِّروا ما بأنفسهم، فإذا كانوا في صلاح واستقامة وغيَّروا، غيَّر الله عليهم بالعقوبات والنَّكبات، والشدائد والجدْب والقحْط، والتفرُّق، وغيْر هذا مِن أنواع العقوبات جزاءً وِفاقًا؛ قال - سبحانه -: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46]، وقد يُمهِلهم - سبحانه - ويُمْلي لهم ويَستدرجهم؛ لعلَّهم يَرجعون، ثم يُؤخَذون على غِرَّة، كما قال - سبحانه -: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: 44]؛ يعني: آيسين من كلِّ خير، نعوذ بالله مِن عذابِ الله ونِقْمته، وقد يُؤجَّلون إلى يومِ القيامة، فيكون عذابهم أشدَّ، كما قال - سبحانه -: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ [إبراهيم: 42]، والمعنى: أنَّهم يُؤجَّلون ويُمْهَلون إلى ما بعدَ الموت، فيكون ذلك أعظمَ في العقوبة، وأشدَّ نقمة.
وقد يكونون في شرٍّ وبلاءٍ ومعاصٍ، ثم يتوبون إلى الله، ويَرْجِعون إليه ويندمون، ويستقيمون على الطاعةِ، فيُغيِّر الله ما بِهم مِن بؤْس وفُرْقة، ومن شدَّة وفقْر إلى رخاءٍ ونِعمة واجتماع".
أقوام بدَّلوا نعمة الله كفرًا فأحيلوا إلى ما رغبوا وصنعوا:
• إنَّ القريةَ التي تستبدل الفزعَ بالأمن، والكفرَ بالإيمان، يُلبِسها الله الجوعَ مهما شبِعتْ، والخوفَ مهما استأمنَتْ؛ وذلك بما اقترفتْ وصنعتْ؛
السبت أبريل 23, 2011 2:49 pm من طرف admin
» رحلة مدرسي الحلقات الى خيلة بقشان
الخميس فبراير 24, 2011 2:03 am من طرف admin
» دعم من جمعية السبيل حلقات جامع الغرف و الرضوان تقيم رحلة إلى مديرية دوعن
الأحد فبراير 13, 2011 2:04 pm من طرف admin
» فضائل سور القرآن الكريم كما حققها العلامة الألباني - رحمه الله -
الأحد فبراير 06, 2011 4:02 am من طرف hkas2011
» (ليحملوا أوزارهم ومن أوزار الذين يضلونهم)
الأحد فبراير 06, 2011 3:57 am من طرف hkas2011
» أين نحن من القرآن!!!
الأحد فبراير 06, 2011 3:53 am من طرف hkas2011
» تأملات تربوية في قصة قارون
الأحد فبراير 06, 2011 3:49 am من طرف hkas2011
» وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ
الأحد فبراير 06, 2011 3:42 am من طرف hkas2011
» يا أمة الأسلام لا تتخذوا القران مهجورا
الأحد فبراير 06, 2011 3:05 am من طرف admin